صبحية بدارنة… لفّت أحلام بناتها بورق التبغ
في قرية يعبد الواقعة جنوب غرب جنين، حيث تنبع الحياة من الأرض وتتفنن النساء في تحويلها إلى مصدر للعيش، تقف صبحية بدارنة كواحدة من عشرات النساء اللواتي وجدن في زراعة التبغ، أو كما يُعرف محليًا بـ”الدخان النبع”، وسيلة للصمود والتكافل.
تقول صبحية، التي تعمل في هذا المجال منذ أكثر من عشرين عامًا: “هاي نعمة أجت للإنسان مشان يشتغل فيها”. لم تكن زراعة التبغ مجرد عمل موسمي بالنسبة لها، بل أصبحت حرفة متجذرة ساعدتها على تربية أولادها وتعليمهم، “علمت خمس طلاب جامعات من دخل التبغ”، تضيف بفخر.
ورغم انقطاعها عن العمل منذ عامين بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية، لا تزال تروي تجربتها بإصرارٍ وشغف. فالعمل في الدخان لم يكن مجرّد مصدر رزق، بل كان بمثابة شبكة أمان عائلية في ظل غياب البدائل الاقتصادية في المنطقة.
تمثل قصة صبحية صورة متكررة في القرى المحيطة بيعبد، حيث تعتمد العديد من الأسر على هذا المحصول الشاق في مراحله كافة، من الزراعة إلى التجفيف والتغليف. والنساء هن العمود الفقري لهذه العملية. “الكثير من النساء بيساعدن أزواجهن، فاتحات بيوت، بيجبن لولادهن”، تقول صبحية، مؤكدةً أن مسؤولية الأسرة لم تقتصر على الرجل وحده، بل حملتها النساء على أكتافهن في صمت وعزيمة.
عن تفاصيل عملها، توضح أنها كانت تمضي ليالٍ طويلة في لفّ الدخان حتى ساعات الفجر: “أبقى طول الليل أحيانًا ألف دخان للساعة وحدة صباحًا”، ولم تشتكِ يومًا من ثقل العمل أو ضيق الحال. بل على العكس، كانت ترى في كل ورقة تبغ لفّتها مستقبلًا أو قسطًا جامعياً دفعته لإحدى بناتها الأربع، واللواتي أنهين تعليمهن الجامعي ولكن لم يتوظفن حتى اليوم.
ومع تفاقم أزمة البطالة وانعدام المشاريع البديلة، ترى صبحية أن “الناس بدها تلجأ للدخان، فش بديل اقتصادي عنا بيعبد”. ورغم قساوة الواقع، إلا أنها ما زالت تؤمن أن الأمل يمكن أن ينبع، كما الدخان، من أرض يعبد.
