صبانة كنعان: من إرث الصابون إلى صرح رقمي يوثّق القضيّة، ويحفظ الذاكرة الفلسطينية.
وسط أروقة البلدة القديمة في مدينة نابلس، حيث تروي حجارة الحارات العريقة لغة الماضي، تقف صبانة كنعان شاهدة على عقود من الحكايات.
هذه الصبانة التي كانت تصنع الصابون النابلسي الذي اشتهرت به المدينة، تحولت اليوم إلى مركز ثقافي للذاكرة والرواية الفلسطينية يسعى لإحياء التراث وربط الأجيال بحكايات الأرض وتاريخها.
تقول رشا العورتاني موظفة داخل مركز الثقافة والرواية الفلسطينية عن الصبانة: يعود تاريخ صبانة حمدي طاهر كنعان الى حوالي ٣٠٠ مئة سنة، وكانت تعتبر أحد أهم الموارد الإقتصادية في مدينة نابلس، وبقيت على حالها الى عام ٢٠٠٢ عندما قام الإحتلال الإسرائيلي أثناء اجتياح نابلس بهدم الصبانة وتدميرها بشكل كامل. وتتابع بأن الصبانة بقيت مكرهة صحية إلى عام ٢٠١٧، عندما قامت جمعية المركز الإجتماعي الخيرية بترميمها، بالتعاون مع بلدية نابلس ومؤسسة التعاون والحكومة السويدية، وتشير بأنه تم ترميم الصبانة بناءً على ما كانت عليه منذ نشأتها حيث بقيت الحلة والمدخنة والقميم في موقعهم الذي أنشأوا فيه.
وفي عام ٢٠٢٢ احتفت مدينة نابلس بإطلاق المركز الثقافي للذاكرة والرواية الفلسطينية وهو مركز يوثق ويعرض الذاكرة والرواية الفلسطينية لأول مرّة في فلسطين بوسائل تكنولوجية حديثة ونظام رقمي محوسب.
وضحت آلاء الخراز موظفة تكنولوحيا المعلموات داخل المركز: أن الأهداف الأساسية التي يسعى لتحقيقها المركز هي إعادة ترميم الوعي والذاكرة الفلسطينية عند الجيل الحالي والأجيال القادمة، وإطلاع الزوار العرب والأجانب والطلاب عن تفاصيل الحياة المدنية في فلسطين قبل نكبة ١٩٤٨، وعرض تاريخ الحضارة العربية الفلسطينية منذ(الحضارة الكبارية والنطوفية)١٨٠٠عام ق.م إلى يومنا هذا. كما يهدف إلى الحفاظ على المباني التاريخية وتوظيفها ثقافيًا لوقف تدهور منظومة القيم والمفاهيم الحاكمة والمعرفية والأساسية، بالإضافة إلى توفير ناد للمتقاعدين المهنيين واستثمار قدراتهم وخبراتهم في تحقيق أهداف المشروع.
فمنذ وعد بلفور المشؤوم تعرضت الذاكرة والرواية الفلسطينية إلى حملة منظمة للتوشيه والمحو، وجرى تقديم وإحلال رواية محض أسطورية، زعمت بإن الوجود الفلسطيني والعربي في فلسطين هامشي وطارئ، وأنه وجود لطوائف وأقليمات وليس شعب، وقد توافق إعادة بناء الأسطورة الصهيونية واستحضارها مع الرؤية الإستعمارية البريطانية لفلسطين والعالم العربي.
والغريب أن الرواية الأسطورية نفسها، بعيدًا عن البروبغاندا، تفسر أن الوجود الإسرائيلي هو الطارئ والمؤقت والعابر، كما كان الإحتلال البريطاني نفسه. وأمام هذا الإيغال في تزوير وطمس الحقائق التاريخية ومحو الهوية لابد من الحفاظ وتنشيط الذاكرة الوطنية وبناء رواية فلسطينية علمية وموضوعية وتوثيقها ونشرها بتقنية حديثة(النظام السمعي والبصري).
يعتمد المركز على وسائل حديثة وتقنيات متطورة في توثيق وعرض المواد التاريخية، بما يجذب اهتمام الشباب والأجيال الجديدة. أبرز هذه الآليات:
1إنتاج أفلام وثائقية تُسلط الضوء على محطات هامة من التاريخ الفلسطيني، تُعرض على شاشات المركز وفي الفعاليات العامة.
2خرائط تفاعلية إلكترونية تُظهر القرى الفلسطينية التي دُمرت عام 1948، وتقدم تفاصيل دقيقة عن جغرافيتها وسكانها.
3تقديم قصص إنسانية توثق حياة الفلسطينيين في الماضي والحاضر، مثل حكايات صناعة الصابون النابلسي أو دور الأسواق القديمة في الحياة الاقتصادية.
4أرشيف إلكتروني متكامل يحتوي على صور ووثائق نادرة تساعد الباحثين على استكمال دراساتهم حول فلسطين.
5معارض دورية وفعاليات ثقافية تربط الناس بتاريخهم وهويتهم، وتُعيد تقديم الرواية الفلسطينية بشكل حديث وجذاب.
ولتوسيع نطاق تأثيره والوصل إلى جمهور أكبر أطلق المركز تطبيقًا إلكترونيًا خاصًا، يمكن المستخدمين من استكشاف التاريخ الفلسطيني عبر هواتفهم الذكية وذلك من خلال عرض الوثائق والمواد الأرشيفية بطريقة مبتكرة، كما يمكنه توفير سياق تاريخي موسع يساعد على فهم أعمق للأحداث والقصص الموثقة.
وتقول إدراكًا منا بإن هناك أجيال عربية وأجنبية ترغب بالتعرف والإطلاع على القضية الفلسطينية في الوقت الحالي قمنا بترجمة هذه المواد والنصوص والمعلومات المتوفرة على تطبيقنا إلى اللغة الإنجليزية ونطح أيضًا إلى ترجمته إلى لغات عالمية أخرى.
وفي ظل التقدم التكنولوجي الكبير الذي يشهده العالم، أكدت آلاء أن توظيف التكنولوجيا في عرض الرواية الفلسطينية جاء تماشيًا مع تطورات العصر، حيث قالت: “اندماج العالم بالشاشات التفاعلية جعلنا نفكر في تقديم الرواية الفلسطينية بطرق حديثة ومؤثرة”.
وأضافت أن الشاشات الرقمية الحديثة توفر طريقة مبسطة وسهلة لعرض المعلومات، ما يجعلها أكثر فهمًا واستيعابًا، خاصة للجيل الشاب. وأوضحت: “من خلال الدمج بين النصوص والصور والفيديو، يمكننا تقديم المعلومة بأبسط الطرق وأكثرها وصولًا للجمهور”.
أمّا آلية اختيار القصص التي يتم عرضها على الشاشات الرقمية داخل المركز، أشارت آلاء إلى وجود فريق متخصص يعمل على اختيار الموضوعات بعناية كبيرة. وأوضحت: “نعتمد على شهادات شخصية من شهود النكبة الذين عاشوا تلك الأحداث، حيث يروون لنا تفاصيل دقيقة عن تجربة التهجير، بالإضافة إلى مصادر أرشيفية موثوقة يتم التحقق منها قبل إدراجها”.
وأكدت أن دقة المعلومات المعروضة تُعد أولوية قصوى للمركز، حيث يعمل فريق البحث على تدقيق كل التفاصيل بدقة كبيرة لضمان مصداقية الرواية المقدمة.
وفيما يتعلق بتفاعل الزوار مع الشاشات الرقمية، قالت آلاء: “طريقة العرض الجذابة تثير فضول الزوار وتدفعهم لاستكشاف المعلومات بشكل أكبر”. وأضافت أن المركز يُتيح للزوار فرصة مشاركة أبحاثهم وقصصهم الخاصة بما يتناسب مع فكرة المركز، مما يُضفي طابعًا تفاعليًا يُشرك الجمهور في عملية الحفاظ على الرواية الفلسطينية.
الرواية الفلسطينية للعالم
وعن دور التقنيات الحديثة في إيصال الرواية الفلسطينية عالميًا، أوضحت أن الموقع الإلكتروني والتطبيق الخاص بالمركز يتيحان للأشخاص حول العالم فرصة الاطلاع على المحتوى التفاعلي بكل سهولة. وأكدت: “هدفنا هو تقديم الرواية الفلسطينية بأسلوب عصري يتماشى مع احتياجات الجيل الحالي، ويُسهم في رفع الوعي العالمي بالقضية الفلسطينية”.
إعداد وتنفيذ : تيماء حنو | حلا دغلس