تيك توك تحت المجهر: هل أصبحت أداة لقمع المحتوى الفِلَسطيني؟
أثار تعيين منصة “تيك توك” للموظفة إيريكا ميندل في منصب مديرة سياسة مكافحة خطاب الكراهية في الولايات المتحدة جدلاً واسعًا وانتقادات حادة، بعد الكشف عن خلفيتها العسكرية في الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي أعاد إلى الواجهة تساؤلات حول حيادية المنصة، خاصة فيما يتعلق بالمحتوى الداعم للقضية الفلسطينية.
بحسب ما نشره موقع The Palestine Chronicle، فإن إيريكا ميندل عملت سابقًا كمدرّسة ومسؤولة تدريب في وحدات الجيش الإسرائيلي، وتحديدًا في فيلق المدرعات، كما أنها تُعرّف نفسها علنًا بأنها تحمل “هوية صهيونية واضحة”، وهو ما دفع ناشطين ومؤسسات حقوقية رقمية للتشكيك في نوايا المنصة من وراء هذا التعيين. وجاءت هذه الخطوة في وقت تتصاعد فيه الاتهامات ضد تيك توك بتقويض حرية التعبير، خاصة فيما يتعلق بالمحتوى الفلسطيني، حيث اعتبر البعض أن المنصب الذي تولته ميندل أُنشئ بعد ضغوط من منظمات أمريكية، على رأسها Anti-Defamation League (ADL)، بهدف تعزيز الرقابة على محتوى معين تحت غطاء محاربة خطاب الكراهية، وفقًا لما ذكره موقع Arab Observer.
وفي هذا السياق، عبّر مركز “صدى سوشال”، المتخصص في توثيق الانتهاكات الرقمية ضد الفلسطينيين، عن قلقه من تعيين ميندل، واصفًا الأمر بأنه “إشارة مقلقة إلى أن سياسات تيك توك قد تتجه نحو مزيد من القمع للمحتوى الفلسطيني”، بحسب The Palestine Chronicle. وأكد المركز أن وجود شخصية ذات ارتباط مباشر بجيش الاحتلال الإسرائيلي في موقع مسؤول عن سياسات مكافحة الكراهية يضعف من ثقة المستخدمين الفلسطينيين والعرب في عدالة المنصة، ويهدد حياديتها المفترضة.
من جهة أخرى، كانت تيك توك قد تعرضت في السابق لانتقادات تتعلق بسجلها في التعامل مع خطاب الكراهية. وبحسب تقرير صادر عن مركز Center for Countering Digital Hate (CCDH) في عام 2021، فإن المنصة أزالت فقط 18.5% من المحتوى المعادي للسامية الذي تم التبليغ عنه، بينما تضاعف عدد المنشورات المسيئة عشرة أضعاف خلال عام واحد، بحسب ما ورد في دراسة منشورة على موقع MDPI. هذه المعطيات أثارت شكوكًا حول مدى التزام المنصة فعليًا بمكافحة الكراهية، خاصة إذا ما تم النظر إليها في ضوء تعيين ميندل ومسارها المهني السابق.
عدد من المستخدمين على منصات مثل Reddit أعربوا عن قلقهم من أن خوارزميات تيك توك بدأت تتعامل بتمييز مع المحتوى المتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث أشار البعض إلى أن منشورات توثق انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي تُحذف أو تُقلّص نسبة الوصول إليها، بينما يُترك محتوى عنصري آخر دون تدخل. هذه الشهادات المتكررة أظهرت أن الرقابة في المنصة قد تكون موجهة، وتخدم رواية سياسية واحدة على حساب الروايات الأخرى، ما يزيد من المخاوف من أن تعيين ميندل قد لا يكون سوى تمهيد لمزيد من الرقابة على الأصوات الحرة.
حتى لحظة نشر هذا المقال، لم تصدر تيك توك بيانًا رسميًا يوضح دوافع التعيين أو طبيعة مهام ميندل بالتفصيل، في ظل تصاعد الدعوات للمساءلة والشفافية، لا سيما في ما يتعلق بتأثير هذا التعيين على مستخدمي المنصة من المجتمعات العربية والفلسطينية. ففي وقت أصبحت فيه وسائل التواصل الاجتماعي ساحة مركزية للرأي العام، فإن أي انحياز في إدارة هذه المساحات قد يحمل تبعات سياسية وأخلاقية خطيرة، لا تمس الفلسطينيين وحدهم، بل تطال مبدأ العدالة الرقمية برمّته.
ويبدو أن تعيين إيريكا ميندل، بخلفيتها المرتبطة بالمؤسسة العسكرية الإسرائيلية وهويتها السياسية المعلنة، يمثل خطوة إشكالية تزيد من تعقيد العلاقة بين المنصات الرقمية ومستخدميها في العالم العربي. وبينما تدّعي تيك توك سعيها لمكافحة خطاب الكراهية، فإن هذا التعيين قد يُفسّر بأنه جزء من منظومة تسعى لإسكات الأصوات المعارضة، تحت غطاء الحماية والتنظيم، ما يهدد بتحويل المنصة إلى أداة رقابية بدلاً من كونها مساحة حرة للتعبير.