من 85% في التوجيهي إلى صاحب محل خضار.. محمد الحناوي يروي حكاية الهروب من ضيق الحال إلى حرية العمل لنفسه
محمد الحناوي، 30 عاماً، يتذكر جيداً يوم حصل على معدل 85% في التوجيهي. لم تكن فرحته مكتملة، فقد كان يعرف أن الطريق إلى الجامعة ليس مفروشاً بالورود. الظروف الاقتصادية خانقة، والبيت مثقل بالهموم، وإخوته ذوو الإعاقة بحاجة لرعاية مستمرة. كان يرى والده يكدّ من الفجر حتى المساء، فشعر أن مقاعد الدراسة لم تعد أولوية أمام معركة البقاء.
“كنت أرجع من المدرسة، أغير ثيابي وأروح أشتغل في الزراعة أو أي شغل ثاني.. ما كنت أرتاح”، يقول محمد وهو يستعيد أيامه الأولى مع العمل. من بيع الخضار في الأسواق الشعبية، إلى أعمال البناء، إلى أي فرصة تتيح له أن يساعد والده، كانت سنواته تمر بين العرق والغبار، بلا رفاهية الأحلام الكبيرة.
لكن فكرة واحدة ظلت تلاحقه: أن العمل لدى الناس، كما يصفه، “نوع من العبودية”. يقول: “تتعب وتتعب، وبالآخر مش أنت صاحب القرار”. هذا الإحساس ظل يكبر داخله حتى قرر أن ينهي هذه الحلقة ويفتتح مشروعه الخاص.
اليوم، يقف محمد خلف بسطته في “محل الحناوي للخضار”، يفرز الطماطم بحذر، ويرتب الخيار بصفوف متساوية. بالنسبة له، هذا المكان ليس مجرد مصدر دخل، بل إعلان عن استقلاله. “المهم يكون البني آدم حر، مهما كانت الظروف سيئة”، يضيف بابتسامة فيها مزيج من الفخر والعناد.
في عيني محمد، السوق ليس فقط مكاناً للبيع والشراء، بل ساحة إثبات للذات. بعد سنوات من العمل تحت أوامر الآخرين، أصبح سيد قراره، يحدد ساعات عمله، ويقرر كيف يسير يومه. وربما، في أعماقه، يعرف أن هذا المحل الصغير هو الامتداد الطبيعي لذلك الفتى الذي كان يركض بعد المدرسة إلى الحقل، ليزرع مستقبله بيديه.
